
أيهما أفضل: قراءة الكتاب أم مشاهدة الفلم ؟
لطالما كانت الكتب الرفيق الدائم للإنسان، فيترجم خيالات نفسه ويبحر في حروفه، وكانت طاولات المقاهي تمتلئ بالجالسين لكنهم لم يكونوا موجودين هناك حقيقة بل كانوا داخل قصصهم التي تنسج عقولهم صورها ويتلذذون بالصوت الداخلي الذي يحكيها لهم، لكن في يومنا الحالي نرى الطوابير الكبيرة في السينما ينتظرون موعد عرض فيلمهم فالتكنولوجيا سمحت بإضافة شيء اخر للعالم ألا وهو مشاهدة الكتاب، فأيهما أفضل: قراءة الكتاب أم مشاهدة الفلم؟
زيادة المخزون اللغوي والفكري
تساعد قراءة الكتاب، مثلها مثل مشاهدة الفلم، على زيادة المخزون اللغوي والفكري لدى المتلقي، فعند مشاهدة الفلم يكتسب المرء قدراً من البعد الثقافي واللغويّ الموجودين فيه، غير أن الكتاب يحتوي على كم أكبر بكثير من الكلمات والعبارات والتي قد تتكرر بصورة دائمة ونصادفها مراراً في محطات مختلفة في الكتاب، لتترسخ في الذهن، وكذلك هو الحال بالنسبة للثقافة، فالروايات تحمل بين طياتها صوراً ومرجعيات ثقافيّة مختلفة. ويسترسل الكاتب في الحديث عنها دون أنت يتقيد أو يجبر على تلخيصه في بضعة مشاهد، فتحمل بذلك كل شخصية دلالات مختلفة ورؤية مكتملة للمجتمعات، وتعطي الروايات لهذه الاحداث والثقافات حقها في السرد وإيصالها للقارئ.
أيهما أوسع خيالا: قراءة الكتاب أم مشاهدة الفلم ؟
بالرغم من قدرة التلفزيون والتقدم التكنولوجي على عرض حياة كتاب أمام الناظرين إلا أنها لم ترق للمستوى إلى مصاف الكتاب، فهو يحفّز العقل على تخيّل الأحداث بحذافيرها، فيقوي الخيال لدى الانسان من جهة وينمّي القدرة على الإبداع عكس مشاهدة الفيلم الذي تلقنه الاعين للعقل تلقيناً، فلا يبذل المشاهد الكثير من الجهد ولا يحفز خياله وإبداعه، ثم إنها تحرمه من الجو الذي يدخله كل قارئ وهو يتخيل تلك الاحداث بكل جوارحه. على سبيل المثال قول الكاتب في رواية اعترافات حامد المنسي: كان الجو غائما جدا، في ذلك اليوم .وكانت الأمطار قد توقفت قليلا بعد أن تهاطلت بغزارة، وبعد أن حولت جنوب المدينة إلى بحيرة عكرة وإحتجزت سكانها في الأدوار العليا، نهارين كاملين، وليلتين. فيتخيل القارئ تهاطل الأمطار والغيوم ومن ثم حالة الجو بعد توقفها وحالة جنوب المدينة والسكان حسب ما يصوره له عقله.
الغوص في التفاصيل
لا يمكن للأفلام ان تعرض جميع التفاصيل المذكورة في الكتاب فهو محصور في وقت زمني محدد، وعلى هذا الأساس تقلص الاحداث وفقا لاعتبارات المشاهد. فإذا تسائل القارئ عن حجم التفاصيل ووفرتها: هل نجدها عند قراءة الكتاب أم مشاهدة الفيلم؟ فالكفة ستميل إلى قراءة الكتاب، فهو يحمل بين طياته القصة كاملة دون تخطي ويعطي القارئ لنفسه المجال ليستمتع بكل ما هو حسي فيه، فحينما يكتب واسيني الأعرج:” وأغلق الباب الحديدي الذي صار يشبه أبواب جميع سكان هذه المدينة المسجونين وراء قضبان ضيقة الروح.” فلا يمكن لا لمخرج ولا مصور ان يجعل المشاهد يركز حول الباب الحديدي ولا وصف الكاتب له، إلا ان هذا التفصيلة لن تضيع من العقل.

تطوير القدرة على التركيز وتمرين الذاكرة
حينما يقرأ الانسان رواية ذات حبكة وأحداث كثيرة ومتنوّعة، ويأخذ عدة أيام وهو يتنقل بين أوراقها، تسترجع الذاكرة في كل مرة أسماء الشخصيات والأماكن والأحداث السابقة حتى يكون تخلق نسيجاً مترابطاً، فهذا من شأنه أن يطور الذاكرة أكثر ويساعد العقل على التركيز، أما الفلم فينتهي في غضون ساعة أو ساعتين فقط وفي معظم الأحوال يتم الإشارة إلى أحداث سابقة، فلا يحدث اي .التباس
قولبة رؤية القصة وأحداثها
تبعث قراءة الكتاب بالمرء إلى عالم آخر ليعيش ويجرب كل ما هو موجود فيه ويرى كل الاشياء من منظوره واعتماداً على تجاربه الخاصة، فكل من يقرأ ما في جعبة الكتاب يتلقى محتواه من زاوية مختلفة لا تشبه تلك التي يرا منها متلقي آخر في مكان آخر. وحتى لو علق شيء من ايديولوجية الكاتب ورؤيته لما يكتب إلا أن القراء سينفردون برأي غير رأيه، عكس الفلم الذي يقنن رؤية الاحداث ويجعلها في قالب واحد ليتلقاها المشاهد جاهزة ويتقبلها كما هي دون تفرد فهو لا يعطي الفرصة للتفكير والتخيل بل يرينا الاشياء فقط.
لطالما كان السؤال حول قراءة الكتاب أم مشاهدة الفلم مطروحا، فالناس يختلفون في رأيهم حول هذا الموضوع، فهناك من يرى أن مشاهدة الفلم لا تغني عن قراءة الكتاب لما له من سحر وعبق خاص وقدرته على شد القراء، وهناك من يرى عكس ذلك فيفضل المشاهدة على القراءة ويراها مملة بالإضافة الى كون الافلام اكثر امتاعا وتسلية، ويوجد أيضا من الناس من يقف بين هذا وذاك فيقر بأهمية قراءة الكتاب وتفرده بعدة خصائص مع كونه من محبي مشاهدة الأفلام ويرى أنه بالإمكان المزج بينهما، فنقرأ الكتاب ثم نشاهد الفلم.
ماذا عنكم؟ هل تفضلون قراءة الكتاب أم مشاهدة الفلم ؟
Responses